الرأي والتحليل

وجه الحقيقة.. إبراهيم شقلاوي يكتب: السودان: تفاوض على شفير الهاوية..!

تتصاعد التساؤلات حول ما يُشاع عن مفاوضات سرية بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع في واشنطن، رغم صدور بيان نفي من الحكومة ومجلس السيادة لوجود أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع المليشيا، إلا أن هذا النفي لم يُرفق بتوضيح كامل لحقيقة الاجتماعات الجارية الآن أو طبيعة الحراك الدبلوماسي والاعلامي ، مما أبقى الموقف ضبابياً وفتح المجال للتأويل والشائعات.
فالولايات المتحدة دعت وفداً سودانياً رسمياً لاجتماع ثنائي حول الأزمة، وهو أمر طبيعي، لكن كان يمكن للحكومة أن تُعلن ذلك بوضوح منذ البداية.
المسألة إذن ليست في وجود مفاوضات أو عدمها، بل في غياب الشفافية. فالإبهام يخلق أزمة ثقة بين الحكومة والشارع، ويتيح للإعلام المعادي صناعة سرديات مضللة. كان من الممكن صدور بيان شامل مبكر يوضح أن هناك لقاءات دبلوماسية مع الامريكان لا علاقة لها بالتفاوض مع المليشيا، لتجنب كل هذا الجدل. بدل أن تتعامل الحكومة مع الأمر بردود الأفعال لتضطر تحت الضغط لتقديم اجابات مرتبكة ، كلما اشتدت محاصرتها إعلاميا وسياسيا.
الشعب السوداني، الذي أنهكته الحرب، لم يفقد بصيرته وذكاءه الفطري لذلك ما زال يعوّل على الشفافية والعلنية في أي خطوة سياسية أو أمنية مقبلة. ولهذا يرفض تمامًا فكرة الصفقات التي تُدار في الظلام أو تُفرض من الخارج.
ولعلّ في إعلان الفريق أول شمس الدين كباشي في أكتوبر 2023 – عقب خروجه من القيادة العامة ومن قاعدة كرري العسكرية – أنه ذاهب إلى جدة للتفاوض بترتيبات من الوسطاء، دليل قاطع على أن المؤسسة العسكرية لا تتوارى خلف الأبواب المغلقة، بل تعلن خطواتها بوضوح ومسؤولية.
منذ ذلك الحين، كما نعلم ظلّ الجيش السوداني متمسكًا بمبدأ التفاوض وفق المسارات المعتمدة ومع وسطاء معترف بهم، بعيدًا عن أي محاولات لفرض وساطات جديدة أو خلط الأوراق.
واليوم، وبعد مرور عام، يتساءل الشارع: ما الذي يجري في واشنطن؟ و وما طبيعة الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية محي الدين سالم، هل هي حول ترتيبات السلام بجانب الوصول لإجابة سؤال قديم متجدد ماذا تريد أمريكا و ماهي المطلوبات لوضع العلاقة في مسارها الصحيح.
كذلك هناك اطار آخر تمثله البيانات الرسمية الصادرة مؤخرًا عن وزارة الخارجية ومجلس السيادة: لا توجد مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين القوات المسلحة والمليشيا. فما يجري في واشنطن ليس سوى مشاورات سياسية ثنائية بين الخرطوم وواشنطن حول قضايا استراتيجية قديمة متجددة تشمل الأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، التعاون الاقتصادي، وأمن البحر الأحمر.
ورغم ما تروّجه بعض التقارير الإعلامية عن اجتماعات غير مباشرة بين ممثلين للجيش والمليشيا بإشراف أمريكي، إلا أن غياب المصادر الموثوقة، إلى جانب النفي الرسمي من الخرطوم، يجعل تلك الأنباء أقرب إلى التضليل الإعلامي الممنهج الهادف إلى إرباك المشهد وتهيئة الرأي العام لقبول دور إماراتي مرفوض ضمن ما يُعرف بالرباعية الدولية.
فالجيش السوداني يدرك أن إدخال الإمارات كوسيط يعني بالضرورة منح شرعية سياسية لقوة متمردة أو إبقاءها ضمن معادلة التسوية المقبلة، وهو ما يتناقض مع الموقف الوطني الواضح الذي يعتبر الدعم السريع تمردًا مسلحًا يجب تفكيكه وفق قانون الجيش، عبر مسار يشمل التسريح وإعادة الدمج لمن استجابوا من قبل لنداء القائد العام بتسليم أنفسهم للوحدات العسكرية.
وتشير مصادر سودانية مطلعة إلى أن تلك المشاورات تجري مع الحكومة الأمريكية لمناقشة قضايا أمنية واستراتيجية و تناولت على الهامش احتمال الترتيب لوقف إطلاق نار مؤقت مدته ثلاثة أشهر، يشترط فيه انسحاب المليشيا من المدن وفك حصار الفاشر، إلى جانب وقف الدعم الإماراتي العسكري والإعلامي للمليشيا، باعتبارهما شرطين مبدئيين لأي بناء للثقة.
من هنا، يتضح أن الموقف السوداني يقوم على ثلاث ركائز راسخة: اولا : لا تفاوض مع المليشيا إلا في إطار تفكيكها وتسليم سلاحها وإعادة دمج عناصرها. ثانيا : لا وساطة إماراتية حتى تتوقف أبوظبي عن دعمها المباشر وغير المباشر للتمرد. ثالثا لا قبول بأي حلول مفروضة من الخارج تمسّ السيادة أو وحدة التراب الوطني.
ويرى مراقبون أن الخطأ الاستراتيجي الأكبر سيكون في الانجرار إلى مفاوضات عسكرية قبل تحييد القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع، وعلى رأسها الإمارات. فالأولوية الوطنية تقتضي حوارًا واضحًا مع أبوظبي حول دعمها للمليشيا، وإعادة تفعيل وساطة الرباعية الدولية بصورة متوازنة لا تكون الإمارات جزءًا منها.
أما على المدى البعيد، فإن أي عملية سياسية حقيقية يجب أن تتناول ملف التعويضات وإنصاف الضحايا، واستعادة أصول وأموال المليشيا داخل البلاد وخارجها لتوظيفها في إعادة الإعمار وتعويض المتضررين من الحرب.
إن الموقف الرسمي السوداني اليوم إن كان كما يبدو عليه فإنه يعكس وعيًا عميقًا بتشابك المصالح الإقليمية والدولية، وإدراكًا لخطر تحويل المأساة السودانية إلى ساحة صراع نفوذ بين قوى الخارج. لذلك يصر السودان على أن الحل يجب أن يكون سودانيًا خالصًا، يستند إلى السيادة الوطنية ويستبعد كل من تورّط في الحرب أو أسهم في تأجيجها.
وبحسب #وجه_الحقيقة، فإن ما يجري في واشنطن ليس مفاوضات سلام، بل محادثات سياسية ثنائية تحاول بعض القوى الإقليمية و السياسية الداعمة للمليشيا توظيفها لتلميع أدوارها.
والخرطوم، برفضها الصريح للوساطة الإماراتية، تبعث برسالتين واضحتين: الأولى إلى المجتمع الدولي بأن السودان لا يقبل أن يُدار ملفه السيادي من الخارج إلا بشروطه، والثانية إلى الداخل بأن الحكومة والجيش ما زالا متمسكًان بمسار وطني خالص للسلام واستعادة الأمن، لا مكان فيه للمليشيات ولا للمصالح الأجنبية. فالسودان لا يفاوض على شفير الهاوية، بل على مبدأ الكرامة والسيادة.
دمتم بخير وعافية.
السبت 25 أكتوبر 2025م
Shglawi55@gmail.com

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى